14‏/03‏/2008

شيء اسمه المستحيل


وسط سكون مهيب.. فتحت عيني لكني ألفتها مازالت مغمضة، لا ترى سوى ظلام دامس يلف كل شيء حولي. توهمت أنها ظلمة المكان أو ظلمة الزمان، قمت متخاذلا فأشعلت شمعة جعلت تتلألأ بضوء ساحر كجندي أعزل يحارب وحده جيش من فضاء معتم، بيد أني تنبهت أن الظلام لم يكن ظلام المكان أو الزمان فحسب؛ بل أن عتمة ما بين لحمي ودمي فاضت لتعلوا فوق ظلمات العالم بأثره.
وجدتني هائماً بذكريات جميلة حلقت بي فوق نجوم السماء، قبل أن يرتشق خنجر الواقع فجأة بين أحشاء قلبي ليوقظ غفلتي.

 تنبهت غير واع ِ إلي غبشة ما استطاع ضوء الشمعة الضئيل أن يظهره، اكتشفت أني سجين داخل جسدي المفلس اليائس الضعيف، رَنت عيناي نحو الأعلى ورحت أتضرع إلى الله أن يمنحني القوة، لكن أي قوة كنت أشتهي؟ قوة العقل..؟يالتعاستي وشقائي؛ خلقه الله حصيفاً كاملاً متكاملاً بلا اعوجاج ثم أطلب منه المزيد، بينما روحي خراب ينعق فيه البوم، وحواسي مفلسة، وقلبي.. أوهن من بيت العنكبوت.


أطلب منه قوة العقل بينما أنا سجين داخل جسدي أتعني من فراغ الأيام ووحدة الليالي الطويلة، محاط بحب المستحيل، وبكل صنوف اليأس التي من شأنها أن تمنحني أقوي احتمالات السقوط، محاط بكل ما هو خليق أن يجعلني عن عمد أحرر روحي من براثن هذا الجسد الثقيل لتحلق في أجواء عالم لا تدركه الأبصار.


كنت أغفوا وأفيق، ثم أعود فأغفوا وأعود لأفيق.. مراراً وتكراراً، كل مرة كنت أنسحب في دوامة هائلة ليس لي سبيلاً للفكاك منها فأسلم لها نفسي سريعاً لأنزلق في بحر لجي من ذكريات الماضي البعيد تارة، وتارة أخري أسبح بين أحداث ساعات مضت. 


تلاطمت الخواطر كأنها موج بحر هائج تحت عنفوان عاصفة.. وراحت تتحطم الواحد تلو الأخر في مشهد سقوط دموي لم أر مثيلاً له من قبل حتى انهار الجميع إلا واحداً ظل شاخصاً متحديا الانكسار كفارس مدججاً بسلاحه، رابضا خلف الواقع.. عند أخر حدود التصور.

هو الحب الذي يعتمل في كل ذرة في جسدي، ويسبح مع كل قطرة من دمي. الحب اليائس الذي كثيراً ما يداهمني كمارد جبار لا تقوي روحي الخربة ولا حواسي المفلسة أن تجابه سلطانه وسطوته التي فرضها عليّ منذ أول يوم رأيتها فيه سابحة بين مجريات أحداث أحلامي، فكأني كمن ضل طريقه في البيداء وظل كالمجذوب يبحث عن شيء لا يعرفه.. وحين وجد صوب ناظريه واحة ضرب رأسه براحته صارخاً.. لقد كنت أبحث عن واحة، ثم اندفع إليها ليجدها كالعادة.. سراب يحسبه الظمآن ماء، فسقط مغشياً عليه أقرب للموت منه إلي الحياة.


انبلج الفجر سريعاً، وفاض الضوء شيئاً فشيئاً ليبدد ظلمات العالم ويعلوا فوق ضوء الشمعة التي كانت في تلك الأثناء تعالج سكرات الموت بعدما أنهكها الصراع، لملمت جناحاي وعدت إلي أرض الواقع لأجدني أمام جيش من الأسئلة، رابضة عند طرف النهار حائرة، انهالت عليَّ من كل حدب وصوب وأنا عاجزاً عن رد هذا الهجوم المباغت.

هربت إلي بعض ساعات نوم لتساعدني في مواجهة يوماً جديداً أحياه معصوب العينين بالوهم، تدور قدماي حول بعضهما البعض وفي وهمي أني أندفع.. أطوي المسافات إليها عبثاً، وكأنها شيء اسمه المستحيل...أو هي المستحيل ذاته.



هناك 16 تعليقًا:

حـنــّا السكران يقول...

عزيزي " المهاجر " :

بقدر ما يبدو " الأنا " أو البطل في النص مشوّشا و باحثا عن ذاته التي تقنعه .أو ذات ٍ تستوعبه ..بقدر ما أجدك صافي الذهن ..واثق من مكان قدميك و أنت تكتب الحالة..إنه الوصول إلى الحقيقة التي يـُخيّل لنا أننا بحثنا عن غيرها ..عن تلك التي أكثر جمالا ً و راحة ..لو كنت وصلت للأخرى ..لما كتبت هذا النص الوجداني الجميل ..لا أدري لماذا و ما إن أنهيت قراءة النص حتى تذكرت ختام إحدى رباعيات الراحل العظيم صلاح جاهين حيث يقول ( أنا مـتّ .ولاّ وصلت للفلسفة ؟ ) .
النص قريب مني وجدانيا جدا جدا ..لذلك وصلني و أحببته .
ـ شكرا للصدفة التي قادتك الى صومعة حنـّا البعيدة ..في الحقيقة .هذه مدونة جديدة أردت الهروب إليها بعد محطة طويلة في مكان اّخر رميت فيه الكثير من الأثقال و حمـّلـني أثقال جديدة أكثر ..أرجو أن تزور صومعتي القديمة و تقرأ و يعجبك ما تقرأ

joe75.jeeran.com

هاني النجار يقول...

في يوم صحيت شاعر براحة و صفا
الهم زال و الحزن راح و اختفي
خدني العجب و سألت روحي سؤال
أنا مت ؟ و لا وصلت للفلسفة ؟
عجبي !!!

يا الله عليك ..
إذا كنت أنت على حالك هذا سكران .. فلا ريب أن العالم كله نيام

هذه أيضاً صومعة جديدة لي .. بعد عشرات قبلها .. ألا تلاحظ اسم المُهاجر ؟!
تشرفت بالطبع بزيارتك
أما صومعتك القديمة والجديدة فقد احتلتا مكانتهما في قائمة المفضلة
فالحرف الذهبي .. يا صاحب الحرف الذهبي
نادر جداً

أشكر مرورك واستسمحك أن تُصرح لي بزيارة صومعتك الجديدة مراراً وتكراراً

خالص تحياتي ومودتي

Unknown يقول...

اخى الفاضل -- اختى الفاضلة
ادعوكم للتضامن مع دعوة الداعية الاسلامى الكبير ( عمرو خالد )والانضمام
الى ---- ( حملة حما يه ) ------
فى انتظاركم ولاتترددوا نحن فى حاجة اليكم
برجاء التواصل للمساهمة وشكرا لكم مقدما....للمزيد يمكنك زيارة مدونتى
او زيارة موقع عمرو خالد مباشرة

الهدهد الطائر يقول...

هذا هو دوما شأننا نحن الكرام .... نزرع حبا و نحصد الكثير من الآلام .... نقول: ألم يكن الصدق و الإخلاص هما المرام؟! .... يردوا: كلا.. لقد بنيتوا قصورا و حدائق من الأوهام.

الهدهد الطائر يقول...

بالمناسبة.. شكرًا على المجاملة و المبالغة!

هاني النجار يقول...

قصوراً وحدائق من الأوهام ..
صدقت
وصدقني أنت الآخر
أنا لا أعرف لا المجاملة ولا المبالغة
بل هو حقك .. وربما أقل من حقك

hamssah يقول...

اخي المهاجر
الله عليك
وصف هايل ودقيق للحاله من منا يستطيع ان يصف مثل تلك الحاله الوجدانيه بمثل هذا الاسلوب من منا يستطيع ان يعبر عن خفايا نفسه بهذه الطريقه
اخي المهاجر
بهرني اسوبك وجذبتني كلماتك
همسه

هاني النجار يقول...

شكراً يا همسة على مجاملتكِ الرقيقة
صدقت فقليل من يستطيع التعبير عن حالته الشعورية .. وأنا واحداً من الكثير الذي يبقى إحساسهم لا تستطيع الكلمات وصفه

خالص تحياتي ومودتي

موناليزا يقول...

الكلام اجمل من اى تعليق

غير معرف يقول...

الله الكام جميل جدا انت خلبتنى أسبح فى ملكوت تانى وما شاء الله الصور جميلة جدا ايه ده شكسبير
بجد والله انا فعلا أنسجمت

هاني النجار يقول...

الأخت موناليزا

أشكركِ على المجاملة الرقيقة
والمرور الجميل

هاني النجار يقول...

شكسبير مين بس يا عمنا ؟؟
احنا ايه اللي هايجبنا للعملاق ده ؟

بس اوعى تكون بتتريق .. :)

اشكرك على المجاملة ، وما تحرمنا المرور الجميل

غير معرف يقول...

من وقت طويل وانا تائهه عن عالمى ومدونتى ومدوناتى المفضله . وطبعا من بينها ممدونتك يا استاذى المتميز .

لكن اليوم حظيت بشرف قراءة كلماتك . ووصفك البليغ .

فوجدت صور تشبيهيه أكثر من رائعه . معانى بين السطور . ربما تخاطب حال أنفسنا أو حال عالمنا . أو حتى حال احلامنا اليائسه .

لكنك ختمت كلماتك بسطوع فجر جديد . فمهما طالت الظلمه .. لها فى الآخر نهار ينهيها .

أبدعت ..
عن جد أبدعت فيما وصفت وكتبت .

أختك ضى القمر ..

هاني النجار يقول...

يا الله ..

كم اشتقت إلى وجودكِ يا ضي وحروفكِ المُبعثرة والعميقة في ذات الوقت .

بالضبط هو سطوع فجر جديد ، لأن كل ليل لابد أن يعقبه نهار

أشكركِ في قلبي على مجاملتكِ الرقيقة
لكن ليه ما وضعت التعقيب باسمكِ ؟

خالص تحياتي وشكري واتمنى ألا تطول ( توهتكِ )

غير معرف يقول...

الكير منا لا يحسن التعبير عما يجول فى خاطرة ..

ولكنى عندما أقرأ حروفك لا أجد أروع منها ومن تعبيراتك ...

وهذا لصدقها الذى يصل مباشرة الى القلب ..

نشكر لك هذا التميز ..والى مزيد من الروعة والجمال فى الكلام والتعبير




ليلى

رباب كساب يقول...

ما أروعك أيها المرتحل في سماء الكلمات وعذب الاحساس

ما أجمل كلماتك ووصفك وشدوك الحزين

هربت إلى بعض ساعات نوم لتساعدني في مواجهة يوما جديدا أحياه معصوب العينين بالوهم

رائعة تلك العبارة

شكرا لك جزيل الشكر

تحياتي وودي

رباب