06‏/06‏/2014

هكذا يصبح للخيانة طعم مختلف



انتهى فصل الربيع القصير، وانتهت معه نشوة التسلية الجميلة، لم يعد للظل القديم داعي، فقد أدى دوره وانتهى.
صارحته بحبها الجديد، ضحك في نفسه وقال: لم يكن هناك حب قديم. حبات اللب والفول السوداني والترمس ليست طعاماً، نحن نتسلى بها فقط حتى يأتي الطعام.
ضحك في نفسه وقال: انتظرت اعترافك كثيراً، كنت أتمنى أن أظل أحترمك لكنك أبيتِ إلا أن تبقين في ذاكرتي بائعة. 
لم تتخيل أنه يعرف القصة من البداية، يعرف كل شيء عنه وعن غيره، وكيف حملت اسمه بعدما انتهى دور الاسم القديم، لم يكن يدري أن الأسماء تتبدل مثل الجوارب. لم يكن يدري أن جحر الأرنب يا (أليس) عميقاً إلى هذا الحد، وأن القلب الذي ظنه عاشقاً كان قلب أميرة من أميرات أوراق الكوتشينة.

لم تتخيل أنه يعرف كل شيء عنه، ماذا فعل وماذا يفعل. 
قرأ حواراتكم كلها وضحك مثلما لم يضحك من قبل. 
ظننتِ أن الاعتراف ينفي التهمة، لكنه كان تحصيل حاصل، وإثبات مثبت من قبل. 
رآكِ مع غيره قبله، لكنه لن يرآكِ مرة أخرى فلم يعد للمنظار داعي.

هكذا يكون للخيانة طعم مختلف حين نخلع عليها لقب آخر، نقرأ فيها صفحات متتالية من خيبة الأمل، 
كان يظنها شيء مختلف، كان يحلم بيها تتجاوز اختباراته الصعبة، تقف إلى جواره وتسانده. كان يحلم بها وفية، لكن للوفاء ثمن باهظ... أيام من العمر تضيع بجوار الساقط حتى يستقيم، وفي انتظار الغائب حتى يعود. ثمن باهظ لا يقدر عليه أحد.

كيف تقلصتِ إلى حجم علبة كبريت، ودخلتِ من الباب الضيق حيث بلاد العجائب ومدينة الأقذام؟
كيف استطعت قتل المارد والاختفاء في قبعة المهرج؟
كيف صدقتِ نفسك بأنك من بني الإنسان؟

لم تكن تدري أن كل كلماتها، حركاتها، سكناتها، همساتها موثقة لديه. كان يحلم أن يظل يحترمها لكنها أبت إلا أن تبقى في ذاكرته بائعة.
هكذا يكون للخيانة طعم مختلف، طعم احتقار لمن اختار بصدق، أحب بصدق. طعم هو مزيج من العلقم، وبقايا صبار جاف، وقطعة شيكولاتة. طعم تذوقه قبل أن يُقدم له في طبق مفضض، قرأه في كلماتها إليه. 
كل حرف كان خنجراً مسموماً انغرس في قلبه.

كان يعلم من سؤالها المستمر هل أحببت؟ أنها تتمنى أن يكون جوابه إيجاباً حتى يستريح ذلك الجزء المستيقظ في ضميرها الميت. كان يعلم أنها حينما اعترفت بحبها الجديد كانت تريد أن تحكي عنه دون أن تدري أنه يعرف كل شيء، فما فائدة أن نحكي فيها هو محكي؟ 

هكذا يكون للخيانة طعم مختلف، طعنة مختلفة، وليس هناك طعنة قاتلة إلا في حالة واحدة. كل الطعنات في الصدر لا تقتل، وتترك مكانها جلد ثخين، وعظم قوي، وإحساس تمرس بالألم. تكثر الطعنات فنتألم أحياناً، نبكي أحياناً، نصرخ أحياناً ثم نكتشف أن أجسادنا صارت صروحاً، جبال لا تهزها العواصف، وقلوبنا باتت في مأمن خلف الجلد الثخين، والعظم القوي، والأحساس الذي تمرس بالألم فتبلد، هكذا تتكسر النصال الحادة للخناجر حين تصطدم بالصدر وتتهاوى كأوراق صفصاف في الخريف.
وفجأة  تشعر بأنك بحاجة أن تتقدم، ولا سبيل لذلك سوى أن تجد شخصاً واحداً على سطح كوكب الأرض تثق به ليحمي ظهرك الضعيف، ثم تأتي الطعنة منه..
هكذا تكون الطعنة قاتلة، هكذا يصبح في البيت غرفة مسحورة من يدخلها يملك مفتاحها، وحين يخرج تختفي. هكذا يبقى الاختبار الأخير أن تقف أمام المرآة وتخلع عن وجهها كل الأقنعة ، ثم انظري ماذا ترين؟

واذهبي.. فمهما يكن من شيء، فإن الحياة لابد وأن تستمر، ولابد للقطار أن يستكمل رحلته.


من وحي أليس في بلاد العجائب